مع الأزمات المتنوعة: كيف تبقى عاقلًا في عصر الانقسام على طريقة إليف شافاق؟
ذلك الكتاب الذي كُتِب أثناء الحظر في ظل جائحة كورونا وهو عبارة عن سلسلة مقالات قصيرة تغطي قضايا الوباء مثل القلق المعدي، واللامبالاة، والغضب، وتناقشها إليف شافاق بحكمة وتفاؤل واعٍ في ما يقارب 90 صفحة فقط. وأيضًا تطرّقت إليف شافاق بإيجاز إلى بعض المفاهيم مثل: نرجسية المجموعة، ومخاطر التعاطف، والتعرُّض المفرط للمعلومات.
نرشح لك قراءة: بين التمرد والعشق: أجمل روايات إليف شافاق!
إليف شافاق الأسئلة وليدة الأفكار
بعد مرور عام على ترشيح روايتها 10 دقائق و 38 ثانية في هذا العالم الغريب لجائزة بوكر 2019، اتبعت إليف شافاق نهجًا مختلفًا في كتابة How to stay sane in an age of division الذي كُتب في فترة الإغلاق بسبب فيروس كورونا المستجد، والذي استلهمت فكرته من إجابة أحد الأشخاص لسؤال انتشر كثيرًا في هذه الفترة في جميع أنحاء لندن، وهو: “ما الذي تريده أن يكون مختلفًا؟”.
ذلك السؤال تكرر كثيرًا ونُقش على اللافتات وكُتب في الحدائق، حيث استيقظ الناس على فرصة لطبيعة جديدة نتيجة للوباء الذي قلب الحياة رأسًا على عقب، وكانت إحدى الإجابات كالآتي: “أريد أن أُسمَع”. كان لذلك الرد صدى قوي في نفس إليف شافاق بشكل خاص. فتقول: “لقد بقي معي ذلك حقًا، أعتقد أن ذلك يرمز إلى ما يمر به معظمنا في الوقت الحالي؛ نحن نشعر بأننا لا نُسمَع”.
ما هو شخصي هو سياسي في نفس الوقت
ولهذا السبب تدمج إليف شافاق تجربتها الخاصة في الأمثلة التي تقدمها في الكتاب -من نشأتها في حي أبويّ محافظ في تركيا بعد انفصال والديها، إلى تربيتها على يد جدتها حتى سن العاشرة، حتى تتمكن والدتها من العودة إلى دراستها- وتعترف إليف شافاق بأنها لطالما تردّدت في مشاركة الكثير عن نفسها، ولكنها تقدّر جيدًا قيمة نسج التجارب الشخصية مع السياسية.
عندما تقرأ تحليلات عن السياسة أو العلاقات الدولية أو الاقتصاد، فتلاحظ أنها تخلو من المشاعر والعواطف، كما لو أنَّ العواطف لا تهم. لكن كبشر فنحن مخلوقات عاطفية، ما نتذكره، نتذكره من خلال مشاعرنا وعواطفنا.
ضرورة التفريق بين المعلومات، والمعرفة، والحكمة
اعتمد الكتاب بشكل رئيسي على تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على عصرنا الحالي. ويبدأ الكتاب بتوضيح كيف أن حجم المعلومات المضللة، والاستقطاب، والفساد، والظلم وعدم المساواة في عصرنا هذا لهم دور كبير في شعورنا بالاكتئاب التام، قبل أن يخبرنا عن أفضل السبل للتعامل مع الأزمات المتنوعة.
ويوضح أيضًا كيف أننا أصبحنا نعتمد بشكل كبير على الأرقام والمعلومات، معتقدين أن بمجرد مشاركة الكثير من المعلومات يكفي لجعل الأشخاص مهتمين. في حين أن إليف شافاق تحث على استخدام القصص لتقديم نماذج للإحصاءات وتوضيحها لمكافحة المعلومات الخاطئة، فما نحتاجه في هذا العصر هو القليل من المعلومات مقابل الكثير من المعرفة والحكمة.
وتدعو إليف شافاق الناس بألا يخافوا من الموضوعات الصعبة والمعقدة وأن ينفتحوا ويطلقوا فضولهم للتعرف على مواضيع وقصص مختلفة عن طريق الاستماع للآخرين، لأن الديماغوجيين والإعلاميين المضللين وغيرهم يتغذُّون على جهل الناس وتشوشهم وارتباكهم، ويقدمون إجابات سهلة وبسيطة للأشياء التي ليس لها إجابات سهلة أو بسيطة.
نرجسية المجموعة
تجادل إليف شافاق بأن النرجسية ليست مشكلة فردية بقدر ما هي بلاء جماعي، وخاصة بعد نشر مجلة هاربر الرسالة المفتوحة، التي أثارت ردود فعل متباينة على وسائل التواصل الاجتماعي في نفس الوقت الذي كانت تكتب فيه هذا الكتاب. فجاءت إليف شافاق واضحة بشأن الضرر الذي ينتج عن استقطاب النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي، فتقول: “إن المشاركين ليسوا هناك للاستماع أو التعلُّم، بل إنهم هناك لينفجروا”. وتؤكّد على أهمية “الاستماع”: “إذا كانت الرغبة في أن تُسمَع هي إحدى وجهيّ العملة، فإن الوجه الآخر هو أن تكون مستعدًا لأن تَسمع، فاللحظة التي نتوقف فيها عن الاستماع إلى الآراء الأخرى المتنوعة، هي ذات اللحظة التي نتوقف فيها عن التعلُّم”.
“الوهم المشترك بأننا مركز العالم” تلك الفكرة تم تناولها مسبقًا بالتفصيل من قبل العديد من مفكري القرن الماضي، وخاصةً ثيودور أدورنو – Theodor Adorno، إيريك فروم – Erich Fromm، الذين شهدوا عن كثب صعود القومية وكراهية الأجانب والاستبداد. ومن إحدى السمات الرئيسية لنرجسية المجموعة هي الاعتقاد المتزايد بالتميّز الواضح والعظمة التي لا شك فيها المرتبطة بـ “نحن” بدلًا من “هم“، وكذلك الامتعاض الدائم تجاه الآخرين. كمثال، إذا كنتُ مقتنعًا بأن قبيلتي أفضل بكثير وذات قيمة أعظم، فسوف أحاول تشويه سمعة أي شخص يرفض الاعتراف بأننا الأفضل.
في عالم شديد التعقيد والتحدي، أصبحت النرجسية الجماعية تعويضًا عن إحباطاتنا الشخصية وعيوبنا وإخفاقاتنا. ولكنها قبل كل شيء توفّر توازنًا لاثنين من المشاعر المقلقة وهما: خيبة الأمل، والحيرة.
نرشح لك قراءة: فن الوجود: إيريك فروم وكيف نرغب أن نعيش؟
كيف تبقى عاقلًا في عصر الانقسام
وكالعادة، وضعت إليف شافاق كل ما كانت تفكر فيه وتشعر به -أثناء فترة الإغلاق- من مشاعر مختلطة كقلق، وغضب، وتفاؤل، والشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، لتخرج لنا بوصفة مثالية ومتكاملة في كيف تبقى عاقلًا في عصر الانقسام – How to stay sane in an age of division كما عوّدتنا دائمًا في كتاباتها.
في نهاية المطاف، لا تقرأ هذا الكتاب مع توقُّع لحدوث تغيير عميق، ولكن اقرأه لتضع بعض الأفكار الأساسية في اعتبارك للتفكير في المستقبل، اقرأه لترى الجذور الأساسية لنقاط الألم، ولتفهم كيف وصلنا إلى هذا الحد لتتمكن من تجاوز مثل هذه الأوقات المظلمة، اقرأه لأنه سيضيء كالقمر في هذه الأوقات المظلمة من التاريخ ليعكس نور حقيقة أكبر مؤقتًا، حقيقة كيف تحتاج البشرية إلى التعاون وجمع حكمتها لمواجهة مثل ذلك الظلام.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.